في الله : هكذا نريدك
أخواتنا في الله هن شقائق الرجال وموضع كرامتهم ، وينزلن منا منزلا حسنا ، نرى أنه لا يمكن أن نحلق في عالم التمكين إلا بهن في قلب الحركة وصدرها كما كانت خديجة أسبق القوم جميعًا إلى الإسلام، وفاطمة أسلمت قبل أخيها عمر، وأم الفضل قبل زوجها العباس .
لذلك نريدك منطلقة إلى الإيمان والعمل وليس تباعا للرجل ، بل بحب لله تعالى مخلصا من شوائب التقليد أنت مسلمة لأنك إنسانة صاحبة رسالة وخلافة ، وليس لكونك زوجة لفلان أو بنتا لعلان.
نريدك بالليل قائمة وفي النهار صائمة ، وفي المسجد دائمة ، وفي البيت راعية ، وفي حلق العلم حاضرة ، وفي الخشية مشفقة ، وفي البذل معطية ، وفي الكلام تعبرين عن شفافية أخلاقك، وفي الذكر رطبة اللسان ، وفي العفة مصونة طاهرة يصدق فيك قول الله تعالى : ( مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارًا )) (التحريم : 5 )
نريدك في الدعوة مثل فاطمة بنت الخطاب تدعو أخاها ، وأم شريك الأسدية تدعو نساء مكة سراً ، ونسيبة بنت كعب تدعو نساء المدينة علانية ، وأسماء بنت عميس تطالب النبي صلى الله عليه وسلم بحق النساء في حِلَق العلم وفي مجالس الذكر، نريدك مثل أم سليم كان مهرها الإسلام ، وكانت تعرف حق الزوج إذا غاب وإذا آب ، فتسجى ولدها الذي مات وتتهيأ لزوجها ، ثم تخفف وقع الموت عليه وهى المكلومة في فلذة كبدها.
نريدك في ساحات العمل والبذل والتضحية مثل عائشة وحفصة تسقيان في أحد الجرحى وتفرغان الماء أفواه القوم ، نريدك مثل أم حرام تتمنى أن تكون شهادتها في غزوة بحرية لا برية ؛ لأنها تسمو إلى ثوابها المضاعف ومنزلتها السامية .
نريدك في حلق العلم تحدثين أخواتك بما يقنع ويمتع ويأخذ بمجامع القلوب ويستهوي نظرات العقول مثل أم الخير الحجازيـة تصدرت حلقات الوعظ والإرشاد بمسجد عمرو بن العاص .
نريدك مكمنا للأسرار الدعوية وحصنا لها مثل أم جميل تحتاط في الحديث عن رسول الله صلى الله عليــه وسلم - في صدرالدعوة - أمام أم أبي بكر ، وأسماء بنت أبي بكر ضربها أبو جهل لينتزع أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في الهجرة فما تكلمت بكلمة ولا أفشت للإسلام سرًا.
نريدك زوجة تحسن تبعل زوجها ، وتتقن إعداد أولادها كما كانت فاطمة الزهراء مع زوجها عليّ وولديها الحسن والحسين وكما كانت عفراء مع أولادها حيث دفعتهم للقتال في بدر لا ليقتلوا صبياً مثلهم بل ليقتلوا رأس الكـفر" أبا جهل " فضرباه ضربة أطارت قدميه ثم أجهز عليه ابن مسعود .
نريدك قلباً محرقا على أمة تفرقت ، ونال منها عدوها ، وخانها كثير من حكامها ، ولا يقر لك قرار ولا يهدأ لك بال حتى تري شريعة الله حاكمة ، وكلمة الله عالية ، ورحمة الله سابغة، وأعراض نسائها مصونة ، ومقدساتها مهيبة ، فتنطلقين نحو وضع لبنات الخير، وزرع أشجار المعروف، وتنـثري عبير المودة بين الأخوات إصلاحا لذات البين وارتقاء بذات الخدر، وإشفاقـا لذات المرض ، ودعاءً لذات المعصية ، ودعوة لحاملة الكفر ولـسان حالك دائما قول الشاعر :
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس
نريدك أختا واثقة من قدراتك ، متواضعة مع ملكاتك ، تقولين الحق لا تخشين فيها لومة لائم ، يحبسك الحياء عن السفاسف ، وتدفعك الثقة والشجاعة إلى المعالي ، وترددين مع الشاعر قوله :
أبارك في الناس أهل الطموح ومن يستلذ ركوب الخطر
ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
نريدك صابرة محتسبة إذا حمّ القضاء تتذرعين بالصبر الجميل ، تتحملين المكاره دون ضجر ، وتأخذين بالأسباب دون ملل ، ترددين من الأعماق قوله تعالى :" وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون" (إبراهيم : 12) ..
فيستمد الابن والأب والأخ والجد منك روح الصبر والجلد حتى يعلم الناس أن في أمة الإسلام نسـاء في الصبر كالرجال وفي الجلد كالأبطال ، لا يشق لهن غبار ولا تلين لهن قناة ، أو تذروهم الرياح ، بل هن الجبال الرواسى بها تحفظ الأرض بقاءها وتوازنها .
نريدك صاحبة عين دامعة عند ذكر الموت والقبر والحشر والكتاب والميزان والصراط، وقلباً فرحا عند ذكر الشهادة ونور القبور والحوض المورود والظل عند الحشر والفردوس الأعلى من الجنة، فتحددين الغاية وتحلقين بجناحي الخوف والرجاء حتى يستقر بك المقام في صحبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
نريدك أمام الشهوات صامدةً ، ووراء الطاعات مسرعةً وأمام المعاصي هاربةً ، وأمام الأموال قانعةً ، وأمام العلم راغبةً ، تراك نساء الأرض نوراً فياضاً ، ونبعاً صافياً ، وخلقاً سامياً ، ويراك الابن أماً رؤوماً وصدرًا حنوناً ، ويراك الزوج ريحانةً طيبةً ، وأختاً راقيةً ، وقلباً محباً ، وصدراً رحباً ، ويداً ماهرةً ، وعيناً ساهرةً ، وعقلاً حكيماً .
أختاه ! هكذا نريدك .. فهل تكونين كذلك ؟ قولي بملء الفم والقلب : نعم . فنيّة المرء خير من عمله .. والله الموفق